pregnancy

سَرابُ السّيادة الفلسطينية


سَرابُ السّيادة الفلسطينية
كتبه محمد العواودة
  تتميز الدولة عن التنظيمات الاجتماعية الأخرى بجملة من السمات ،والتي من أبرزها "سمة السيادة" . هذه السمة التي جعلت من الدولة كياناً واضح المعالم ،يتمتع بصفة اعتبارية . حتى أنه لا يتصور وجود دولة قائمة تسعى للنهوض بأفرادها بدون امتلاكها للسيادة والتي عرفها جان بودان بقوله : " السلطة العليا التي يخضع لها المواطنون والرعايا ،ولا يحد منها القانون . "


  تهدف هذه الورقة للإجابة عن السؤال التالي : هل تمتلك السلطة الفلسطينية السيادة على الأراضي التي تحكمها ؟


  عند البحث عن أي أمر يتعلق بالسلطة الفلسطينية ،يتوجب على الباحث العودة إلى أساس هذه السلطة ،وإلى الاتفاقيات التي نتجت السلطة على إثرها . وفي موضوعنا هذا يتوجب علينا النظر بعين فاحصة إلى اتفاق أوسلو والذي صنع السلطة الفلسطينية وأعطاها شكلها الذي نراه الآن. وعند الرجوع إلى ذلك الاتفاق سنجد أن السلطة الفلسطينية لا يوجد لها أي بصمة سيادية  على الأراضي المسيطرة عليها أو بالأصح الأراضي التي تحكمها.
  لا تمتلك السلطة الفلسطينية أي سيادة على الأرض ،وللبرهان على هذا الحكم فإنني سوف أورد بعض الشواهد التي تدعم حُكمي .
  بتوقيع اتفاق أوسلو اتفق الطرفان (منظمة التحرير وإسرائيل ) على انشاء سلطة فلسطينية انتقالية ذاتية ، لمرحلة انتقالية لا تتعدى الخمس سنوات . أي أنه عند انشاء السلطة كان الهدف منها ادارة المرحلة الانتقالية ، وهنا لا يتصور أن تكون لهذه السلطة سيادة على الأراضي التي تحكمها . وبرهان ذلك أنه وفي البند الرابع من اتفاقية أوسلو جاء النص التالي : "ستشمل ولاية المجلس منطقة الضفة الغربية وقطاع غزة باستثناء قضايا سيتم التفاوض عليها في مفاوضات الوضع النهائي. "
  إن ما حواه البند الرابع لَيؤكد أن السلطة الفلسطينية لا تمتلك سيادة على الضفة الغربية والقطاع كاملين لوجود الاستثناءات . ولم تعرف ماهية هذه الاستثناءات حتى الآن .
  في البند السادس من اتفاقية إعلان المبادئ وفي الفقرة الثانية منه ،كان واضحاً أن الوفد الفلسطيني المفاوض اتفق مع الإسرائيليين على أن الصلاحيات الممنوحة والسلطات المعطاة للسلطة الفلسطينية لا تتعدى حدود التعليم والصحة والشؤون الاجتماعية والضرائب والسياحة. فأين الحدود ؟! وأين المياه والسيطرة عليها ، وأين السيطرة على الساحل الفلسطيني أو الأجواء الفلسطينية ؟
  البند السابع من الاتفاق أوضح أن الاتفاقية الانتقالية سوف تحدد عدد أعضاء المجلس التشريعي وصلاحياته ،وسلطة المجلس التنفيذية والسلطات التشريعية . أي أن المجلس التشريعي والسلطة التنفيذية ستكون تعمل كما يخطط لها الإسرائيليون ، فلا كلمة للسلطة الفلسطينية تعلو على الكلمة الإسرائيلية . فكيف تكون هناك سيادة فلسطينية ومن مميزات السيادة عدم خضوع صاحب السيادة لأي إرادة أخرى!
  ينتج عن هذا البند أن المجلس التشريعي الفلسطيني لا يمكن أن يسن قانونا دون الرجوع ومشاورة الإسرائيليين ،وهنا انتفت سمة السيادة الفلسطينية لأن السيادة تتطلب سلطة لا تقبل النقض ، فيجب أن يكون صاحب السيادة يستطيع سن القوانين لكل أمر من الأمور دون الحصول على موافقة من أي جهة كانت.
  كل ما سبق من مآسي وقع عليها الوفد الفلسطيني المفاوض سلبت السلطة الفلسطينية من السيادة التي كان يجب أن تمتلكها للإعداد للدولة المستقبلية . فسلطة لا تمتلك سيادة لن تستطيع تحت أي ظرف أن تؤهل الوضع لقيام دولة مستقلة لها سيادتها .
  من مظاهر استقلال وسيادة أي منظمة أو دولة أو سلطة ،أن يكون تمويلها ذاتياً. أي أنها لا تمول من قبل أي جهة أخرى ،لأن نتيجة هذا التمويل هو الخضوع. ولكننا نجد السلطة الفلسطينية تعتمد بالكلية في وارداتها على مساعدات الدول الكبرى ،وأمريكا بالخصوص.
  إذن فمن غير الصحيح تسمية السلطة الفلسطينية بهذا الاسم ،إذ أن السلطة تتوجب أن يكون لها سيادة على الأرض التي تحكمها أو تسيطر عليها ،لكن هل جاءت تسمية السلطة الفلسطينية لجبر خواطر الفلسطينيين أو العرب ؟ أم أن للسلطة الفلسطينية سلطة على شيء داخل الضفة الغربية وقطاع غزة ؟
  المتتبع لشؤون السلطة الفلسطينية ليجد أنها لا تمتلك من السلطة على شيء في مناطق حكمها إلا شبه سيادة على الأفراد الخاضعين لها. فهي عندما تريد اعتقال أحد فإنها تستطيع ذلك ،ولكن لا تستطيع اعتقال أي أحد ! من هنا قلت إن لها شبه سيادة على الأفراد. أيضاً ،إن أراد الإسرائيلي اعتقال أي فلسطيني فإنه يستطيع ذلك ،بتنسيق مع السلطة أو بعدمه .
  عندما نقول أن السلطة الفلسطينية لا تمتلك سيادة على الأرض فنحن نقول ذلك لأن جيش الاحتلال عندما يريد مطلوباً لها فإنها تدخل أي منطقة خاضعة للسيطرة الفلسطينية دون أن يعكر مزاجها أحد من السلطة الفلسطينية . فأين سيادة السلطة على أراضيها ، بل أين سيادة السلطة على منافذ الحدود ، والجو والبحر ؟
  لا تمتلك السلطة الفلسطينية حرية الانتقال من مدينة فلسطينية إلى أخرى إلا بتنسيق مع الجانب الإسرائيلي ، أما موضوع قطاع غزة فهو شأن آخر. فكيف يتصور أن يكون للسلطة الفلسطينية سيادة على الضفة الغربية وهي لا تستطيع الانتقال بحريَّة بين المدن الفلسطينية . وذلك لأن الضفة الغربية ووفق اتفاق أوسلو تم تقسيمها إلى ثلاث مناطق : منطقةA الخاضعة للسلطة الفلسطينية ويتولى فيها الأمن الفلسطيني مهماته ، ومنطقة B وفيها تتولى السلطة مسؤولية التعليم والصحة والبلديات ، والأمن فيها بيد الإسرائيلي . ومنطقةC خاضعة بالكلية للجانب الإسرائيلي ، أما في الانتفاضة فكل المناطق أصبحت في نظر الإسرائيلي مناطقC .
  من مظاهر سيادة الدولة ان تستطيع تعين من تشاء في المنصب الذي تشاء ، ولكن في السلطة الفلسطينية لا وجود لمثل هذه الظاهرة ، فالشخصية التي لا تريد إسرائيل أن تراها تشغل منصباً في السلطة فإن هذه الشخصية لن تستطيع أن تشغل ،لأن الإسرائيلي هو الآمر الناهي .
  بإنشاء السلطة الفلسطينية ارتاحت إسرائيل من عبء الفلسطينيين الملقى على كاهلها ، فسلمت كل المهمات الثقيلة الظل للفلسطينيين كالصحة والبلديات والتعليم ،حتى أمن المناطق التي تسيطر عليها السلطة ، لذلك فنحن نرى في اتفاق أوسلو التركيز على "انشاء شرطة فلسطينية قوية" . لكن لم يكن دور السلطة الفلسطينية الحفاظ على أمن الفلسطينيين ،بل كان في الأساس للحفاظ على أمن المستوطنين ،ومنع أي عمليات ضدهم ،واعتقال المجاهدين والزج بهم خلف القضبان ،فصارت السلطة تعمل كما كان الإسرائيلي قبل أوسلو يعمل. بل صارت لحداً جديداً بصورة أجمل.
  بعد قدوم السلطة انتشرت ظاهرت تسليم المطلوبين إلى الجانب الإسرائيلي ،لكن ليس بصورة رسمية مباشرة ، فهي تعتقل المجاهد ،وتحقق معه ،وتفرج عنه بعد أيام لتعتقله القوات الإسرائيلية فكأن السلطة والإسرائيلي يتبادلان المهام ، وهو ما يعرف بالتنسيق الأمني ، فأي سيادة لهكذا سلطة لا تستطيع القول لإسرائيل "لا" .

17- آذار-2012م








شكرا لتعليقك