pregnancy

هل الصهيونية حركة دينية ؟


هل الصهيونية حركة دينية ؟
إعداد: محمد العواودة
للدين في حياة البشر أهمية خاصة ، فهو من المسلمات التي لا يمكن للمجتمعات البشرية الحياد عنها ، ولو قامت بذلك فإن التاريخ كفيل بأن يريها مصير سابقاتها من المجتمعات التي لحقها الخراب جراء ذلك .
فالدين أساس الحضارات ، وعماد بقائها ، فهو " أي الدين " يتعلق بالحقيقة وبالوجود الإنساني كله.
إذن فالدين ضروري لبقاء المجتمعات ، وهو بالتالي ضروري للأفراد. وللدين وقع خاص وتأثير غير محدود على الناس ، حتى تجرأ البعض وقال بأن الإنسان متدينٌ بفطرته ، لذلك فوَتَرُ الدين حساس جداً عند الأفراد والمجموعات البشرية ، واللعب على هذا الوتر لتحقيق مكاسب أياً كان نوعها فإنها سوف تلاقي نجاحا وإن كان مقدار هذا النجاح متفاوت .


لعبت الكثير من الحركات السياسية في العالم على وتر الدين لإيصال ما لديها من أفكرا إلى عقول وصدور الجماهير المستهدفة ، فلاقت هذه الحركات تأييداً جماهيرياً ، والتفافاً واسعا . وفي هذه الورقة سوف نحاول كشف حقيقة الحركة الصهيونية التي تقنعت بقناع الدين اليهودي ؛ لتحقيق تطلعاتها وأهدافها . وذلك من خلال طرح جملة التساؤلات التالية :
هل الصهيونية حركة دينية ؟ وهل قادة هذه الحركة هم من المتدينين ؟  وهل أهداف الصهيونية هي أهداف دينية بحد ذاتها ؟
  
  
    من السهل على المتتبع والدارس لنشأة الفكر الصهيوني ملاحظة أن الحركة الصهيونية لم تكن حركة دينية في لحظة من اللحظات ، وإنما كانت حركة علمانية سياسية قومية . ودليل ذلك أن المؤسسين للحركة الصهيونية لم يكونوا أصلاً من المتدينين ، فكيف يقوم أشخاص غير متدينين بإنشاء حركة دينية ، تقوم على أساس كتاب ديني ، ولها قواعدها وأسسها الدينية ، والإثباتات على عدم تدين قادة الحركة الصهيونية كثيرة وسيتم التطرق لها لاحقاً.
إن إنشاء حركة دينية يتطلب بالأساس قيادة ملتزمة دينياً ، هذا إن كان تأسيس الحركة لمآرب دينية ، إما إن كان تأسيس الحركة بمسمى ديني وتحت غطاء وعباءة الدين لتمرير سياسات وأجندات خاصة حتى ولو كانت لشعوب فإن ذلك لا يستلزم مصداقية من المؤسسين للحركة على الصعيد الديني .
لم يكن قادة الحركة الصهيونية ورموزها من المتدينين أو من المتحمسين للدين ، بل كانت غالبيتهم من المنصهرين في المجتمع الأوروبي والحضارة الغربية " والتي تناقض الدين اليهودي"، وكان البعض من قيادات الحركة رافضاً للدين جملة وتفصيلاً [1].
الدلائل التي تشير إلى ما قلناه سابقاً عن أن قيادة الحركة الصهيونية لم تكن متدينة في الأساس كثيرة ومتعددة ، وسوف نتطرق في البداية إلى شخصية ثيودور هرتزل مؤسس الصهيونية ، فهو أبلغ الأمثلة التي تضرب على ذلك .
لم يكن ثيودور هرتزل متديناً في وقت من الأوقات ، ولم يكن يفكر في حلٍّ للمسألة اليهودية إلا بالاندماج والانصهار في المجتمعات الأوروبية . وذلك بعدما يعتنق اليهود الدين المسحي ، أي بمعنى أن المشكلة اليهودية في الغرب لا يمكن أن تحل إلا بتخلي اليهود عن دينهم ، وتحولهم إلى النصرانية ، بالتالي فهم يندمجون مع المجتمعات الأوروبية وتحل مشكلتهم ، وقد كان هرتزل يهم لتحويل ديانته ، والتوجه إلى المسحية ولكن حرصه وخوفه على مشاعر والديه منعه من الإقدام على ما كان يهم لفعله .
لم يكن هرتزل يولي الدين اهتماما نهائيا وقد قال عنه عبد الوهاب المسيري في كتابه : الأيديولوجيا الصهيونية أنه وفي زيارة هرتزل للقدس لأول مرة كان يتعمد انتهاك المشاعر الدينية اليهودية [2].
يكتب هرتزل في يومياته في 26 نوفمبر عام 1895 قائلاً :
(سألني آشر مايرز مراسل الجويش كرونيكل في لندن : ما علاقتك بالكتاب المقدس ؟ أجبته : أنا مفكر حر ، ومبدؤنا سيكون : أن لكل إنسان أن يبحث عن خلاصه بطريقته ، فأجابني آشر مايرز : إن اليهود الأرثوذكس سوف يتبعونك ، ولكنهم يرون أنك يهودي سيء.)[3]
إذن فقيادة الحركة الصهيونية لم تكن تعير الدين أي اهتمام ، ولكن ذلك لا يعني أن هذه القيادة استثمرت الدين اليهودي أقصى استثمار وذلك عندما كانت قيادة الحركة الصهيونية تضمن في خطاباتها مجموعة من الجمل التي ترشح بالعواطف الدينية ، للتأثير على اليهود حول العالم. واللعب على وتر العاطفة الدينية عند اليهود ، فالدين عند قيادة الحركة الصهيونية أداة لتمرير سياسة الحركة وأهدافها ، بالتالي فإنه من هذه الناحية لا يختلف فكر ومبدأ الحركة الصهيونية عما جاء به مكيافيللي والذي رأى أنه يجب استغلال الدين إذا كان ذلك في مصلحة السياسة .
لقد استغلت الحركة الصهيونية الدين لتحقيق مطامعها وأهدافها ، ولكنها لم تأخذ الدين اليهودي بحذافيره ، لأنه بهذا الشكل لن يتطابق مع المصالح المرسومة ، ولكن قيادة الحركة أخذت من الدين اليهودي ما يتناسب ويتناغم مع ما ترمي وتهدف إليه الحركة الصهيونية ، بالتالي فإن الصهيونية شطبت الكثير من المقولات الدينية التي لا تنسجم مع أهداف الحركة ، مثل المضمون الصوفي الانطوائي للدين ، وفكرة انتظار عودة المسيح المخلص ، وفكرة العودة إلى أرض الميعاد عن طريق المعجزة . وغيرها من الأفكار التي من شأنها ابقاء اليهود قانعين بحياتهم في أوروبا.[4]
لا يعني تأسيس الحركة الصهيونية وتزايد نفوذها وقوتها أنها لم تلق معارضة من أواسط المتدينين اليهود. فعلى الرغم من مشاركة الحاخامات اليهود في مؤتمرات الحركة وندواتها إلا أنهم كانوا على علم بأن الحركة الصهيونية ما هي إلا حركة قومية سياسية علمانية. فتصدى لها معظم المتدينين ، مقتنعين بفكرة أن بناء مملكة إسرائيل لا يمكن أن تتم إلا بعد عودة المسيح .
لقد كان لهذه المعارضة الدينية الأثر الكبير على سياسة الحركة الصهيونية والتي أدركت خطر هذه المعارضة ، وحاولت جاهدة تحاشي الاصطدام مع المتدينين ، والتستر بعباءة الدين ، والعمل على استمالة أكبر قدر ممكن من المدينين ، وتضمين خطاباتهم بمقولات دينية .[5]


خلاصة الورقة :
من خلال ما سبق ، نستطيع القول أن الحركة الصهيونية لم تكن في لحظة من اللحظات حركة دينية ، بل لاقت مهاجمة واسعة من الأوساط الدينية اليهودية وباعتراف الجميع فهي حركة علمانية. ونستطيع القول أيضاً أن قيادة الحركة الصهيونية لم تكن متدينة أيضاً فعلاوة على كون هرتزل غير متدين نجد أن العديد من القيادات الصهيونية على منواله كأمثال : الروسي زعيم جماعة أحباء صهيون : يهودا بنسكر ، ومساعد هرتزل وساعده الأيمن ماكس نوردو والذي كان يجاهر بإلحاده!
وإذا ما أردنا الحكم على أهداف الحركة الصهيونية وهل هي أهداف دينية ، فإننا نجزم أن أهداف الصهيونية ليست دينية وإنما تسترت هذه الأهداف بعباءة الدين لتمرير ما تخطط له قيادة الحركة. فقد قال هرتزل في يومياته : ( لقد قلت طبعاً للرابي الأكبر في لندن ، كما سبق أن قلت لزادوك كهن ، " رابي باريس الأكبر" أنني لا أخضع لأي دافع ديني ، في مشروعي.)[6]




المراجع :
·        حزين.صلاح، الحركة الصهيونية من الدين إلى السياسة، الصراع العربي الإسرائيلي: الجذور والمواقف. مصر، دار الثقافة الجديدة،1988.
·        جارودي.روجيه، فلسطين أرض الرسالات الإلهية، ترجمة عبد الصبور شاهين ، القاهرة ،دار التراث ، 1986.
·        [1] روزق . أسعد ، قضايا الدين والمجتمع في إسرائيل ، بيروت ، مركز الأبحاث –منظمة التحرير الفلسطينية ،1970.
·        [1] المسيري.عبد الوهاب ، الأيديولوجيا الصهيونية ، الكويت ، سلسلة عالم المعرفة ، الجزء الثاني.
·        الزرو.صلاح، المتدينون في المجتمع الإسرائيلي ، رابطة الجامعيين ، مركز الأبحاث ، الخليل ، 1990.




[1] الزرو.صلاح، المتدينون في المجتمع الإسرائيلي ، رابطة الجامعيين ، مركز الأبحاث ، الخليل ، 1990 ، ص149.
[2] المسيري.عبد الوهاب ، الأيديولوجيا الصهيونية ، الكويت ، سلسلة عالم المعرفة ، الجزء الثاني. ص89
[3] الزرو.صلاح ، مرجع سابق.
[4] روزق . أسعد ، قضايا الدين والمجتمع في إسرائيل ، بيروت ، مركز الأبحاث –منظمة التحرير الفلسطينية ،1970، ص35-36
[5] حزين.صلاح، الحركة الصهيونية من الدين إلى السياسة، الصراع العربي الإسرائيلي: الجذور والمواقف. مصر، دار الثقافة الجديدة،1988 ، ص34.
[6] جارودي.روجيه، فلسطين أرض الرسالات الإلهية، ترجمة عبد الصبور شاهين ، القاهرة ،دار التراث ، 1986، ص44.
شكرا لتعليقك