pregnancy

شعيب: مناضل لم يجد مساحة في ذاكرة الفلسطينيين


شعيب: مناضل لم يجد مساحة في ذاكرة الفلسطينيين
كتبه: محمد العواودة
تفيض ذاكرة الفلسطينيين بقصص عن أبطال ضحوا بأعمارهم وأرواحهم في سبيل الوطن، فتجد أسماءهم منقوشة على الصخر، أو مخطوطة على ورق يخلد ذكراهم، لكن بطلاً فلسطينياً حطم هذه المعادلة، فلم تذكره المنابر، ولم تصدح باسمه الحناجر. فقد أهمل بعد أن أمضى أجمل سني عمره يخدم القضية ويدافع عنها، ليموت وحده كما عاش وحده بعد خروجه من السجن عام 1985. إنه يوسف إسماعيل العواودة الملقب بـ "شعيب" الذي انطلق مع حركة فتح في أول أيامها، فكان كما يقول من عاصروه "محراثاً بلا صوت".

"الحال" التقت بمجموعة من الدائرة الأقرب لشعيب، وحاولت جمع معلومات ترسم للقارئ ملامح حياة هذا المناضل، في ظل تهميش -لا يعرف سببه- لمثل هذه الشخصية التي صنعت بعض أهم القادة السياسيين.
ولد "شعيب" لعائلة فلسطينية مكونة من أربعة بنات ومثلهم من الأولاد في مدينة دورا بتاريخ 17/9/1948. تقول أخته سارة:  "كان شعيب هادئ الطبع، يميل للجدية، سريع البديهة، خجول، يسمع أكثر مما يتكلم، يحب السرية، يقدر الصداقة. ان موقع البيت الذي عاش فيه اتاح له رؤية الساحل الفلسطيني المحتل ، فكان يشده منظر الغروب وهو يرى الشمس تهبط في احضان البحر الابيض المتوسط، ومنظر الاضواء التي تتلألأ ليلا منبعثة من مدن فلسطين التي احتلها الصهاينة عام 1948، وكأن شيئا يشده الى تلك البقعة من اراضي فلسطين منذ الطفولة، كان مسكونا بفلسطين رغم انه يسكنها، وكل همه كان مقاومة الاحتلال واسترجاع ما اغتصب من اراضي فلسطين."

في السجن الأردني
عام 1966 ألقى الجيش الأردني القبض على " شعيب " مع مجموعة من الطلاب الفلسطينيين بتهمة التحريض الوطني في صفوف الطلاب، وبعد محاكمتهم تم نقلهم الى سجن الزرقاء كي يقضوا محكوميتهم فيه. وبتأزم الوضع بين الدول العربية واسرائيل أطلق الأردن سراحهم جميعا في يوم 22/3/1967 ليستقبلوا حرب الايام الستة في 5/6/1967.
يقول أحمد عقيل، وهو أحد أعضاء الخلية التي أسسها شعيب قبل اعتقاله: "نشبت حرب 1967، فاشتعلت جذوة الوطنية المتقدة في نفس شعيب، والتحق بمعسكر الهامة في سوريا، حيث تلقى التدريب لستة أشهر عاد بعدها ليأخذ موقعاً في مقاومة الاحتلال بشكل سري ".
المطاردة والاعتقال
في تاريخ 17/1/1969 فشل جيش الاحتلال في اعتقال شعيب الذي غادر منزله والتحق بالمقاتلين في جبال الخليل، ومن الجبال بدأ يوسف في اختيار رجاله وتنظيمهم في صفوف حركة فتح، فاستطاع بناء خلايا ومجموعات كان أشهرها المجموعة التي ضمت جبريل الرجوب وأحمد عقيل، ويوسف نصر، وخالد عمرو، إلى أن استطاع العدو اكتشافها في 26/12/1970.
 قاوم شعيب الاحتلال واصطدم معه في عدة اشتباكات كان أشهرها "معركة الطبقة" في 20/5/1971 برفقة الشهيد باجس أبو عطوان والشهيد خليل العواودة.
في اليوم التالي للمعركة نسف العدو منزل شعيب، واستعمل كل أساليب الضغط النفسي لينال منه. أصيب شعيب بوعكة صحية، ولم يتمكن من أخذ العلاج الصحيح على أيدي المتخصصين والأطباء، فتأثرت صحته بشكل كبير، حتى وصل إلى درجة الانهيار العصبي، ما مكن الاحتلال من إلقاء القبض عليه في 17/1/1972 أي بعد ثلاثة أعوام من المطاردة.
حكم الاحتلال على شعيب بالسجن 25 عاما، أمضى منها 13 عاماً وخرج في صفقة التبادل في 20/5/1985، ليظل يعاني من آثار الصدمة النفسية، وهو ينتظر إخوته ورفاق دربه أن يلتزموا بعهد الوفاء لمناضليهم، ولا يتركونه للجدران الباردة والأرضية الخالية من الحصير.

منعزلٌ في بيته حتى وفاته
بعد خروجه من السجن، اعتزل شعيب الناس ، فبقي ملازماً بيته، لا يخرج منه نهائياً . وكان يرفض أن يكشف عليه طبيب، وقد اقتصر تعامله مع عدد قليل جداً من أقاربه.
تقول أخته سارة : "بعد خروج شعيب من السجن عام 1985 شعر بالحرية وأخذ يزور المقربين له والذين وقفوا معه سنين المطاردة، وكان يذهب الى الأماكن المحببة لديه، واضطر للسكن مع والدتي في بيت أخي إلى أن سمحت اسرائيل ببناء بيت له مكان بيت والدي الذي كان قد تم نسفه وهو مطارد، وانتقل مع والدتي الى بيته الجديد عام 1986. كان يعتني بنفسه، يلعب ورق الشدة، وكان يشتري ملابسه بنفسه وكان عنده ذوق رفيع في اختيار الملابس، وسرعة حسابية دقيقة كانت تبهر التاجر".
إن معاملة الناس للسجين بعد خروجه من السجن تحدد طبيعة العلاقة بين السجين والبيئة المحيطة به، فإما أن ينطوي على نفسه فيتجنب مخالطة من حوله، وإما يندمج مع المجتمع ويصبح فرداً طبيعياً مع مجموعة أفراده. تقول سارة: "أما شعيب وبسبب حالته النفسية وحالة الاحباط التي سيطرت عليه جعلته  يعتزل المحيط الاجتماعي فقد كان يقوم بالطبخ والعجن داخل بيته بعد وفاة أمي، لقد كان أخي شعيب، شديد الحرص على نظافة مطبخه".
كانت سارة على جسر الملك حسين عائدة إلى أرض الوطن من السعودية، عندما تلقت خبر وفاة أخيها شعيب. تقول سارة: "دفن أخي شعيب قبل وصولي  بحوالي ساعة، لما وصلت اتجهت مسرعة إلى قبره، فوجدت  طفلين من أبناء جيرانه واقفان لقراءة الفاتحة على الضريح.

تختم سارة قصة حياة أخيها بقولها: "شعيب كان يشغل الحيز الأكبر في حياتي عشنا طفولتنا معا، أفكارنا متقاربة جدا، وكان يصغرني بأربع سنوات، ولكنه يكبرني عقليا وفكريا كنت أشعر بأنه قائدي ، وقد اختار لنا اسماء حركية وهو في سن الثامنة، لم تنقطع رسائله عني وأنا في الغربة إلا بعدما غدا مطاردا، وعندما زاره أبنائي في المستشفى قبل وفاته سألهم عني ومتى سوف أرجع من سفري."

توفي شعيب يوم الاحد 20/3/2011 ، وقد شيع جثمانه في جنازة عسكرية إلى مثواه الأخير في مدينة دورا. وتم تحويل بيته الصغير الذي ضم كل تفاصيل حياته  إلى مدرسة حملت اسمه، علَّ جيلاً قادماً يحمل السراج الذي حمله شعيب.



شكرا لتعليقك