pregnancy

سببه الانفلات الأمني : قُتل على فراشه ورسالته تصل أهله بعد شهرين من موته



أسد العواودة
في صبيحة يوم السبت ، الثامن عشر من تشرين الثاني عام ألفين وستة ، قصد بهاء ذو الثماني سنوات منزل أخيه الكبير " أسد الله " ، فقد تعود بعد خروج أخيه من السجن أن يذهب كل صباح صوب منزل أخيه الذي لا يبتعد عن منزله سوى عشرين متراً ليأخذ مصروفه وينطلق به مسروراً إلى مدرسته.
وصل بيت أخيه المكون من طابقين ، دخله وصعد الدرج الدائري قاصداً غرفة نوم أخيه، فوجد الباب مغلقاً ،فتحه على ظلام يلف الغرفة ، فقد كان المنزل لا يزال تحت "التشطيب" ولم يوصل بالكهرباء بعد.
يقول بهاء: "تحسست طريقي إلى فراش أخي ، وعند اقترابي منه ، شعرت بأنني دست على بقعة من السائل حسبتها شايا أو قهوة سكبت على أرضية الغرفة ، بدأت بإيقاظ أخي فلم يتحرك ، وضعت يدي على رأسه ألاعبه لكي يستيقظ فإذ برأسه يميل باتجاهي بشكل كبير ، عندها شاهدت جرحا غائراً في رقبة أخي ."
يهبط بهاء درج المنزل بشكل هستيري ، يبدأ بالصراخ على أبيه : "أبي ، أبي ، أسد مجروح برقبته والدم (ينزل) منه". بهذه الكلمات عبر بهاء عن كل ما رآه في الغرفة المظلمة ، وبهذه الكلمات أشعل النار في صدر أبيه.
يجن جنون الوالد ويبدأ بالصراخ والتكبير ، الله أكبر ، الله أكبر ..
يقول الوالد: "جاءني ابني الصغير بهاء ، وقال لي أن أسد مجروح في رقبته والدم ينزل منه ، حينها لم أعرف كيف استطعت الوقوف على قدمي ، ركضت نحو بيت ابني وصعدت الدرج قفزاً درجتين درجتين ، وعندما وصلت الغرفة ، شاهدت ابني مضرجا بدمه وقد تخضبت وسادته البيضاء بلون أحمر داكن ، ويا ليتني مت قبل أن أرى ذلك المنظر . دخلت ووقفت عند رأسه وأنا أصرخ ، وشاهدت جرحاً غائراً في الجزء الأيمن من رقبته ، ورأيت ( الزبد) الأبيض يغطي جزءاً من الجرح ."
يرى الوالد جثة ابنه القتيل ،فتتصاعد تكبيراته ، ويبدأ ينادي على فلذة كبده ويصيح : " مين إلي قتلك يا ابني ، يا حبيبي يا أسد ، على فراشك قتلوك يا ابني ".
تصعد أم أسد درج بيت ابنها فترى على أعلى الدرج زوجها وقد أخذ يضرب رأسه بيديه ويصرخ ، فأيقنت بأن أسد قد مات ، فيغمى عليها وتنزلق إلى أسفل الدرج.
سمع الجيران صراخ الأهل في منزل أسد ، فتهافتوا لمعرفة ما جرى ، يدخلون البيت ويشاهدون والد أسد يصرخ ويستغيث وعلى مقربة منه جثة ابنه القتيل.
يقول الوالد: "جاء جيراننا وقد رأوا ما جرى ، أخذوا بتهدئتي وأخرجوني من المنزل واتصلوا بالشرطة ، فحضرت بعد ربع ساعة ."
تصل الشرطة وتغلق المنزل ومحيطه ، ويحضر مدير الشرطة ووكيل النيابة والطبيب الشرعي لفحص الجثة ميدانيا ، وتبدأ الشرطة في تحقيقاتها الأولية مع الأهل ومن ثم انتقلوا إلى أصدقائه ومعارفه .
يقول وكيل النيابة : " عندما وصلت برفقة بيت المغدور وهو فيلا مكونة من طابقين ، شاهدت جثة القتيل على (فرشة) إسفنجية ذات لون بني وكانت مغطاة بحرام أزرق ولحاف أبيض ، وكانت قدما القتيل باتجاه الشرق ورأسه باتجاه الغرب مائلاً على جهة جنبه الأيسر ، وكان موضع القتل في الرقبة ".
وعند بدء الطبيب الشرعي عملية الفحص الميداني للجثة يلاحظ أن الجثة لا تزال تحتفظ بدفئها على الرغم من برودة الجو في الخارج ، وقد قال الطبيب في تقريره : "عند وصولي مسرح الجريمة شاهدت جثة القتيل ، وقد كانت حنطية البشرة ، وكان المغدور ذو بنية عضلية جيدة أثناء الحياة . شاهدت الجثة "مجزوزة" الرقبة من الجهة اليمنى ، ولكن الرأس متصل بالجثة ، وإنني لا أستطيع تحديد سبب الوفاة ، حيث أنني بحاجة لاستكمال الفحص والكشف ومتابعة الجناية بإرسال الجثة إلى مشرحة الطب الشرعي في أبو ديس."
وهكذا يقرر وكيل النيابة إرسال جثة أسد إلى المشرحة لمعرفة سبب الوفاة . ويُنزع أسد من البيت الذي كان يحلم فيه أن يصبح  زوجاً بعد شهرين . وتنقل الجثة إلى المشرحة ، ويدخل الناس بيت أسد ليروا بأم أعينهم الغرفة التي شهدت على آخر أنفاس صديقهم ، وجارهم ، وابن عائلتهم ، فيجدون دماً متجلطاً على أرضية الغرفة ، ووسادة بيضاء ملطخة بالدم ، كانت تحتضن حياً قبل ساعات .
عصراً ، ترجع جثة أسد بنفس سيارة الإسعاف التي نقل بها إلى معهد الطب الشرعي . يرجع أسد إلى منزله ولكن هذه المرة جثة ملفوفة بكفن، ليلقي أهله وأصدقائه نظرة الوداع على شاب فرحوا بعودته من السجن قبل شهر واحد فقط.
يتجمع الأهل حول جثة الابن القتيل الذي لم يكمل الثالثة والعشرين بعد، يلقون عليه النظرة الأخيرة وقد تبدلت بشرته الحنطية بلون الموت الأصفر.
يقول بهاء: "عادت جثة أسد بنفس سيارة الإسعاف التي أخذته ، وقام رجال بحمله على أكتافهم ووضعوه في منتصف البيت لنودعه ، وقام أحد الرجال بفك الكفن عن رأسه وأبان عن وجه أسد فكان وكأنه يغط بنوم عميق لولا اللون الأصفر الذي سلب وجه أخي حيويته وجماله. ولما رأيت وجه أخي بدأت أصرخ وأبكي ، وخفت أن ألمسه أو أن أقبله ، وبعد لحظات جاء الموعد الذي سيخرج فيه أسد من البيت ولا يعود إليه ثانية إلا في أحلامنا. كنت أبكي بشدة فهذه أول مرة في حياتي أرى فيها جثة ، وأية جثة! إنها جثة أخي ".
حملت أكتاف الإخوة والأصدقاء جثة أسد _بعد أن صلوا عليها_ إلى نقطة اللا عودة ولا رجوع، ويقف شيخٌ على شفير قبره ويقول: اسألوا لأخيكم التثبيت فإنه الآن يسأل..
في اليوم التالي تصل نتائج تشريح الجثة ، ويرد فيها : (تعرضت الجثة للذبح بأداة قاطعة وطاعنة وحادة جدا ، وطويلة النصل . وقد قطع الجرح العضلات الكبيرة والصغيرة وكذلك الأوعية الدموية الرئيسية والثانوية وكذلك الأعصاب . كانت بداية الجرح من الخلف وإلى الأمام . وفي مثل هذه الحالات يكون قد اشترك في "جزِّ" العنق والسيطرة على مثل هكذا بنية عضلية أكثر من شخص. وسبب الوفاة ناتجة عن الصدمة العصبية الناتجة عن قطع العصب وإصابة النخاع الشوكي في العنق بين الفقرتين الثالثة والرابعة ، وإن الوفاة هي "موت احمر وجناية".)
تستمر الشرطة في تحقيقاتها . وتستمر أيضاً طمأنتهم لأهل أسد بان القاتل سيقع في أيدي العدالة بأقرب وقت .
بعد شهرين من رحيل أسد ، رن هاتف البيت ، يُبلغ موظف البريد الأهل بأن رسالة من سجن "إيشل" في بئر السبع وهو السجن الذي كان يقبع فيه أسد قبل أربعة أشهر فقط ، قد وصلت.
يقول الوالد : "ظننت حينها أن أحداً من أصدقاء أسد في السجن قد أرسل لي برسالة يعزيني فيها بموت ابني . ولكن لما وصلتُ مكتب البريد واستلمت الرسالة كانت الصدمة ، لقد كانت الرسالة من ابني أسد! كان قد كتبها وهو في السجن ، ولكن بريد السجون تتأخر في إيصال رسائل الأسرى إلى البريد الفلسطيني . لقد كانت رسالة ابني أشبه ما يكون بالوصية ، لقد طلب من الجميع مسامحته ، وقد ختمها بقوله:" دق ناقوس الرحيل.. وحان موعد الوداع.. فوداعا يا أبي .. وداعا يا أمي .. وداعا يا إخوتي. "، لقد كانت رسالة ابني ووصولها لي بعد موته صعقة وازت بفظاعتها صعقة مقتله ."
أخفى الوالد رسالة ابنه عن الأهل ، فهو لا يريد لأحد من الأسرة أن ينهار أو أن تنبش جروحه ، ولكن بعد بضعة أيام ترى أم أسد زوجها خلف المنزل يبكي وقد أمسك ورقة ، يقبلها كلما قرأ جملة منها ، فتقترب منه فيخفيها عنها ، تناشده بأغلى ما عنده أن يريها إياها فيستجيب لها ، وتنهار الأم لما رأت أول جملة في الرسالة : إلى أمي الحنونة ..
والآن وبعد مضي خمس سنوات على جريمة قتل أسد الله  ، لا يزال بهاء يذهب كل صباح إلى المدرسة ، ولكن بدون قبلة الصباح من أسد ، وبدون مصروفه . تمضي خمسة سنوات على الجريمة ، ولا يزال الأهل يعانون من فاجعة مقتل ابنهم ، وعدم اكتمال التحقيقات! .


شكرا لتعليقك