pregnancy

ليجعل منهم حماتاً للوطن: فلسطيني يؤسس معسكراً لأبنائه


الأب بالزي العسكري داخل المعسكر 
أشبال معسكر القائد شعيب ، الذي أقامه الشيخ أحمد العواودة بجهده وتمويله الخاص، في ساحة متواضعة أمام بيته ، في منطقة "واد الحمام " في دورا ، ذلك المعسكر الذي تسري فيه القوانينُ العسكرية فقط. لباس "خاكي" موحد ، تدريبات مشاة ، محاضرات ثقافية وعلومٌ عسكرية ، باختصار ، معسكر لجيش صغير ، قائده وجنوده من الأشبال ، أكبرهم في الثالثةَ عشرةَ من عمره ، وأصغرهم في السادسة.

أسد وشمس ، قائد المعسكر ونائبه ، شبلان للشيخ أحمد يتقاسما قيادة المعسكر الذي يتكون من 12 شبلاً وزهَرة هم أخوتهم وأخواتهم . يوزعان المهام على الأفراد ويتقاسمان أيضاً حراسة المعسكر في الليل والنهار.
الشيخ أحمد مدير متقاعد في وزارة الأوقاف والشؤون الدينية ، في العقد الخامس من عمره ، غزا الشيب معظم رأسه ولحيته ، حينما تنظر في عينيه تقرأ فيهما الثقة والإيمان، تنساب الكلمات من بين شفتيه بسلاسة وهدوء ، يتحدث بلغة الواثق من نفسه ، المؤمن بالله وبحق شعبه في العيش بكرامة وحرية كسائر شعوب الأرض.
وبلقائنا مع الشيخ أحمد العواودة وهو مؤسس المعسكر أجرينا معه الحوار التالي :

سؤال: بدايةً ، شيخ أحمد حدثنا عن تاريخك مع الثورة الفلسطينية :

جواب: بدأ تاريخي في الثورة الفلسطينية تنظيمياً ، في عام 1969، وكنت أبلغ حينها السابعة عشرة من العمر ، رغم أن انتمائي لروح هذه الثورة كان قبل احتلال عام 1967 ، لأن روحي كانت ترفض الواقع المهين، الذي كان يلف حياتنا ، بل ويسكب عليه الذلة ، والعجز عن فعل أي شيء لقضيتنا . ومع بداية الاحتلال بدأت جذوة النضال تتوقد في داخلي. كنت أعبر عنها بأعمال فردية ضد قوات الاحتلال .
نور،أحد أعضاء المعسكر
وعوداً على بدء ، انتظمت ضمن صفوف فتح في منتصف عام 1969 على يد القائد العملاق يوسف العواودة ( شعيب ) والذي شمخت جبال دورا الشماء بصموده ونضاله مع ثلة من الشباب ، وكنا جميعا في الصف الثالث الثانوي ، وبدأنا في الإعداد من خلال التدريبات المكثفة في الجبال ، ثم عمليات الاستطلاع والاستكشاف والمراقبة ، حتى إذا ما دنت لحظة العطاء ، ألقت قوات الاحتلال على أحد أفراد المجموعة ، والذي اعترف على عناصر الخلية ، مما مكنها من اعتقالنا ، وذلك في 26 -12-1970 حيث حكم على أفراد المجموعة ، بأحكام تراوحت بين الثلاث سنوات والمؤبد ،وكان نصيبي أن أحكم لخمس سنوات ، أمضيت أربعا منها في سجني الخليل ونابلس.



سؤال: ما هو الدافع وراء إقامتك لهذا المعسكر:

جواب: تلقيت دورة عسكرية مع قوات الـ 17 ، وتطوعت للعمل مع التوجيه السياسي ، في معسكر الأشبال والزهرات للأعوام 1996  و 1997 و1998 وكنت فيها قائداً لمعسكر الأشبال في مدينة دورا ، ولأن البصمة النضالية تجذرت في أعماق قلبي ، وتبدّت في كل سلوكي ، أحببت أن أهدي وطني فلذات أكبادي ليصاغوا على عيني أملاً ممتدا في الزمان والمكان ، وليحققوا لمستقبلهم ما عجزنا عنه نحن ، هذا من جهة ومن جهة أخرى ، كنت أرغب في صنع نموذج اجتماعي يُحتذى في كل أسرة وفي كل حي ، حتى تتحول هذه الصياغة الوطنية لأطفالنا من مواقعنا الرسمية في معسكرات التوجيه السياسي إلى مواقعها الاجتماعية ، في البيوت والأزقة والحارات ، لتصبح ثقافة عامة ، تصوغ هذا الجيل الناشئ .



سؤال:  من هو شعيب ؟ ولماذا أطلقت اسمه على المعسكر؟

جواب:  (شعيب) هو الاسم الحركي للقائد يوسف إسماعيل العواودة الذي انطلق مع فتح في أول أيامها ، فكان محراثا بلا صوت ، زرع في الكثيرين من زملائه وإخوانه بذرة الوطنية ، ونمَّى فيهم روح النضال والعطاء ، ليسجن قبل عام 1967 ، وعندما جاء الاحتلال اشتعلت فيه روح الثورة بكل معانيها ، وغادر إلى ( الهامة) في سوريا حيث مواقع إعداد الرجال ، وعاد إلى الوطن وهو يملك الرؤية الكاملة لطبيعة الصراع ، وكان يقظا في كل تحركاته ، وعندما حاول المحتلون اعتقاله ، خرج إلى جبال التحدي ، ليتعلم منها الصمود والشموخ ، حيث بدأ رحلة العطاء الجديد من خلف الزناد ، أما لماذا أطلق اسمه على المعسكر، فإن عهد الوفاء والمحبة لقادتنا حتى وإن ضمهم تراب الوطن ، حتى وإن أقعدهم المرض ، فيجب أن نحفر لهم في الذاكرة مكانا لا يمحى ، ولتنتقل شعلة الوفاء والعطاء من يد إلى يد ، ومن جيل إلى جيل .


سؤال: ما هو دافعك وراء الاهتمام بالأشبال؟

جواب: حينما بدأت قيادة معسكرات التوجيه السياسي للأشبال لم أكن أعمل في مكتب ، بل كنت أحرس في أرض الوطن ، وأزرع فيها بذرة العطاء ، وأتعاهد هذا الغرس الناشئ . لقد كنت أنظر إلى هؤلاء الأشبال ، أنظر إلى عيونهم ، لأن فيها صرامة الرجال ، وقد غلبة براءة الأطفال ، أنظر إلى أيديهم تتحرك ،تُسابق الزمان كي تشتد قبل أوانها ، وشعرت بنفسي أتغنى وأقول:
يكفيني أن أقف أمام الأشبال ..
أنظر في صفحات وجوه الأطفال ..
فأرى في الوجه براءة .. وأرى فيه صرامة
ولأنظر نحو الأيدي تتحرك .. تتسابق مع زمن القهر لتشتد
لتصير حجار الأرض قنابل .. وتصير رماح الجند سنابل
بل كنت أقول :
إني ألتمس لكل خطيئة شبل عذر
حتى لو خاصم إخوته .. حتى لو قفز عن الأسوار
فالرفض المختزن يحاول
يبحث عن فاصلةٍ
يستدعي المستقبل .. يستدعي الآمال


سؤال: ما هي الفكرة التي تريد إيصالها للفلسطينيين من خلال إقامتك لهذا المعسكر:


جواب: أريد أن أقول لكل فلسطيني ، أبناؤك هم عماد الوطن ، هم أمل الأمة ، وهم غدها القادة والجند ، وفكرة هذا المعسكر الشبيه بمعسكرات التوجيه السياسي ، هي من أجل صقل الأبناء وصياغة شخصيتهم على نحو فاعل وإيجابي بناء. وتنمي فيهم روح المسؤولية ، وليعرفوا أين تتجه البوصلة ، وأين يكون الهدف .



سؤال:  كيف ترى إلغاء السلطة الفلسطينية للنشاطات العسكرية المتعلقة بالأشبال والمتمثلة في إقامة المعسكرات؟

جواب: إن الجواب على هذا السؤال بطعم العلقم ، لأن الحقيقة مرة ، وإن كان لا بد من الإجابة فأقول: إن السلطة الوطنية في عهد القائد الرمز ياسر عرفات ، كانت تتحدث عن خيار السلام فوق الطاولة ، وكانت تمارس وإن بقدر خفي خيار النضال من تحتها . ولما قلب العدو الطاولة ، أبت في رحلتها التفاوضية الثانية إلا أن يكون خيار السلام الزائف فوق الطاولة ، وخيار .." بلاش نحكي" .. تحتها . إذن لا مقام لوجود معسكرات مثل التي كانت في ظل الوضع الجديد .

سؤال: ما هي توصياتك للآباء وأولياء الأمور للاهتمام بأبنائهم؟

جواب: إنني أوصي الآباء بأن يهتموا أيما اهتمام بهذه الأمانة المعلقة في أعناقهم ، بأن يكونوا أولا القدوة الصالحة لهم ، قولا وفعلا ، فكفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت ، وعليهم ثانيا أن يزودوهم بزاد الطريق في هذه العقبة الكؤود ، وأن ينيروا لهم طريقهم في درب العلم والإيمان، وليكن لسان حال الوالد مع ولده ، كلسان المقال الذي قلت فيه:
لا تيأس
حتى لو ساء سلوك الناس
حتى لو سار الناس إلى خلف
فأنا لست بإمعة
إن أحسن قومي أحسنت .. أو ضل القوم ضللت
حتى لو وحدي كنت
حتى لو خالفت اليمنى أمري .. باليسرى سأقاتل
حتى لو نامت إحدى عيني .. لن أدع الأخرى تغفو
لن أدع سواد الليل ليسلب ضوء نهاري
لن أدع الفكر السوداوي ليلبس أفكاري
 لن ادع خفافيش الليل تقض مضاجع أبنائي
فأنا مطر.. وأنا أرض .. وأنا زرع
وأنت بني الحاصد ، أنت الجاني


لسماع المقابلة كاملة اضغط هنا 

شكرا لتعليقك