pregnancy

الليلة الأخيرة .. في دير ياسين

كانت ليلة كبقية الليالي ستمر على أهل دير ياسين، جمعةً كبقية الجُمَع، لولا الرصاص الذي صبته عصابتا " لحي" و "اتسل" على أجساد سكان القرية لتعطب بذلك تسلسل الأيام في دير ياسين.

خمسة وستون عاماً مرت على المذبحة، ولا يزال صداها يتردد في كل نيسان. صوت الرصاص الذي أسكت أفواه أطفال وشيوخ ونساء .. الاستغاثات .. الدموع المختنقة.

هل كان أهل دير ياسين يعلمون بما سيجري لهم؟ هل كانوا يدركون ما تخبئه ليلة الجمعة اليتيمة في القرية، وما تجهز له عصابتا "لحي" و "اتسل" الصهيونيتين؟

أحد المدافعين عن القرية حتى الطلقة الأخيرة، يروي لـ " الحال" أحداث الليلة الأخيرة في دير ياسين.
يقول الحاج التسعيني عبد القادر حسن زيدان: "الساعة الثانية فجرا هاجمت المدافع والدبابات "بريطانية الصنع" الجهة الشرقية من دير ياسين، فنسفوا البيوت و أبادوا كل من كان في طريقهم".

هل كان أهل القرية يعلمون؟
يؤكد الحاج زيدان إنه وقبل الاقتحام، كان الإسرائيليون  يرسلون أفرادا على أنهم مجانين، وذلك لفحص نقاط قوة وضع القرية. فما كان من أهل القرية إلا إعادتهم إلى المستوطنة التي أتوا منها "جفعات شاؤول".
أيقن أهل القرية أن الاقتحام بات وشيكاً، بعد حصار للقرية لستة أشهر. فجهز أهل القرية أنفسهم، ووزعت المهام على رجال القرية لحراستها، وذلك من خلال مجموعات تضم كل مجموعة خمسة رجال.
الاقتحام ..
كان في القرية خمسة وثلاثون بندقية "ألمانية الصنع" وكمية من الذخيرة، كانت قد هربت من مصر.
استمر الجنود الإسرائيليون بمحاولات اقتحام القرية إلى أن نجحوا في الدخول إليها الساعة السادسة صباح يوم الجمعة. فصاروا ينتقلون من بيت لبيت، مطلقين نيران رشاشاتهم صوب المدنيين و"حراس القرية"، وكان الحراس يردون على نيران الإسرائيليين، لم تمض ساعة دون سماع أزيز الرصاص.
مع دخول الآليات العسكرية إلى القرية الصغيرة، ما كان من المقاتلين الفلسطينيين إلا التراجع.
يقول الحاج عبد القادر: "بعدين صاروا كل ما لاقوا واحد يطخوه، والله في حرمة انقتل جوزها وبعد شوي انقتل ابنها".
"لو أجانا نجدة من القرى المجاورة، كان أبدنا الإسرائيليين إبادة، بس ما حد إجا ينجدنا". ويعزي الحاج زيدان عدم وصول النجدة إلى استشهاد عبد القادر الحسيني قبل يوم من اقتحام القرية، و"التهاء" جيش الحسيني بوفاة قائدهم.


مذبحة
تشير الإحصائيات كما وردت في الجزء الرابع من سلسلة القرى الفلسطينية المدمرة، الصادرة عن مركز الوثائق والأبحاث في جامعة بيرزيت، إلى أن عدد القتلى في مجزرة دير ياسين شارف على الـ 120 قتيلاً.
يقول الحاج زيدان، " دار عمي 12 نفر، بادوهم كلهم، صغار وكبار، ولما استلم اليهود نص البلد صاروا يطخوا أي واحد بعتقلوه".
" كان الهود بدقّو على ابواب الدور في القرية وبطلعوا أهلها منها، فكانوا يقتلوا الشباب والاطفال ويوخذوا النسوان أسيرات".

لجوء
استمرت المجزرة حتى الساعة السادسة من مساء الجمعة. في هذه الساعة كانت بنادق المقاومين قد "جفَّت". فآثروا اللجوء إلى قرية قريبة، وهي "عين كارم".
"رحنا على عين كارم، ما قدرنا نوخذ معنا ولا شي، وهناك أهل البلدة أكرمونا وعشّونا، بعدين طحنا من هناك على المالحة، ومنها على القطمون لحد ما وصلنا باب الخليل".
ومن باب الخليل في القدس، بدأ لاجئو دير ياسين يتفرقون، ويتوزعون على بيوت أقاربهم. يقول زيدان: "أنا أخوال أمي من المزرعة الشرقية، فرحت ع المزرعة الشرقية وقعدت فيها سنتين، بعدين انتقلنا على ابو ديس ، بعدين ع أريحا، وآخر شي استقريت في بيتين".


العودة إلى دير ياسين .. لكن سائحاً
زار الحاج عبد القادر قريته "دير ياسين" ثلاث مرات بعد المذبحة، أولها كانت بعد وقوع المذبحة بثلاثة أشهر، وآخرها قبل سنتين.
"أول مرة رجعت فيها على دير ياسين، رحت على بيتي، كان زي ما هوي، ولا شي متغير عليه، بس ما سمحولي أرجع، وآخر مرة زرته، رحت مع صحفيين لأني بعرف أصحاب البيوت في القرية، فكنت أسميلهم أصحاب البيوت بالاسم".


مجانين في دير ياسين
لا يزال القسم الأكبر من القرية قائما حتى الآن، لكن جرى تحويل القرية كلها إلى مستشفى للأمراض العقلية. وقد استعملت بيوت القرية كمساكن للمرضى، وحول مسجد القرية إلى مطعم للمستشفى وحولت مدرسة القرية إلى كنيس.
"لما شفت بيتي وشو صار فيه، نزلن دموعي، بس شو بدي أسوي؟!".
















شكرا لتعليقك